التهاب السحايا هو حالة صحية خطيرة يحدث عادةً عندما تنتقل العدوى عبر مجرى الدم من مكان آخر في الجسم إلى السحايا مسبِّبةََ ظهور أعراضٍ وعلاماتٍ معيَّنة.
وتعرَف السَّحايا بأنَّها الأغشية المغلِّفة للدماغ والنخاع الشَّوكي التي تعمل على حمايتهما وترويتهما.
قد تتسبَّب هذه الحالة بحدوث إنتان دم مهدّدٍ للحياة، أو حتَّى أذيَّاتٍ دائمةٍ للنسج العصبيَّة. لذلك، يجب أن يتلقّى المريض العلاج اللَّازم بسرعة.
يمكن لأيِّ شخصٍ أن يُصاب بالتهاب السحايا، لكن الفئات الأكثر عرضةََ للإصابة هم:
- الرّضع والأطفال دون 5 سنوات.
- المراهقون والشبَّاب بأعمار تتراوح بين 16 و25 عامََا.
- البالغون ممَّن تجاوزوا 55 عامََا.
مع زيادة خطر الإصابة للأشخاص مضعفي المناعة كمرضى الإيدز، أو الذين يتلقَّون علاجََا كيماويَّاََ للسَّرطان، أو مستأصلي الطحال وغيرهم.
ما أسباب التهاب السحايا؟
إنَّ معظم حالات التهاب السحايا تحدث بسبب العدوى الفيروسيَّة والبكتيريَّة التي تنتقل من مكانٍ آخر من الجسم مثل الأذنَين أو البلعوم أو الجيوب الوريديَّة إلى السحايا.
إضافةََ إلى ذلك، توجد أسبابٍ أخرى أقلَّ شيوعََا، نذكر منها:
السل – السفلس – اضطرابات المناعة الذَّاتية كالذّئبة – العلاج الكيماوي للأورام – جراحة الدّماغ – إصابات الرَّأس – بعض الأدوية أو الإجراءات الطبيَّة.
طريقة انتقال العدوى:
المرض بحدِّ ذاته ليس مُعدِيََا للآخرين، إذ إنَّ خطر انتقال العدوى من شخصٍ مصابٍ بالتهاب السحايا عمومََا منخفض. وإنَّما تحدث العدوى بمعظم الحالات نتيجة وجود العوامل الممرضة المسبِّبة للمرض (جراثيم، أو فيروسات) في حَلْق أو أنف الشخص حتى وإنْ لم يكن مصابََا بالمرض.
وبالتَّالي يمكن أنْ ينقل العدوى لمحيطه عن طريق العطاس أو السّعال أو التَّقبيل، وخاصَّةََ بوجود أشخاصٍ مخالطين له لمدَّةٍ طويلةٍ، مثل أفراد أسرته في البيت الواحد، والمهاجع الجماعيَّة، وسَكَن الطلبة، وكذلك الثكَنات العسكريَّة.
وبما أنَّ العوامل الممرضة المسبِّبة لالتهاب أغشية الدماغ يمكنها الانتشار سريعََا ضمن التجمّعات البشريَّة، فمن الوارد جدََّا حدوث فاشياتٍ من التهاب السحايا ما لَم يكن الأفراد قد تلقَّوا لقاحاتهم ضدَّ المرَض.
أنواع المرض:
يصنًف التهاب السحايا إلى عدَّة أنواعٍ حسب العامل المسبِّب، وتختلف الأنواع عن بعضها بمدى شيوعها، وخطورة الإنذار وبالتَّالي ضرورة التَّدبير السَّريع، وتشمل:
- النمط البكتيري: هذا النوع أقلّ شيوعََا من الالتهاب الفيروسي لكنه أشدّ خطورةََ.
- النمط الفيروسي: الأكثر شيوعََا بين الأنواع الأخرى. ويعَدّ أقلَّ خطورةََ من الالتهاب البكتيري في أغلب الحالات، إذ تختفي أعراضه دون علاجٍ خلال أسبوعٍ تقريبََا.
- الالتهاب الفطري: وهو نوع نادر يصيب المضعفين مناعيََّا خصوصََا، ونادرََا ما يصيب الأصحَّاء.
- الالتهاب الطّفيلي الذي يصيب الحيوانات عادةََ وينتقل للبشر عن طريق تناول الَّلحم الحيوانيِّ النَّيء الملوَّث بهذه الطُّفيليَّات.
- النمط المرتبط بالأوالي (الأميبي)؛ وهو نوع نادر لكنَّه مميت غالبََا.
الأعراض والعلامات:
تتنوَّع أعراض التهاب السحايا وعلاماته كثيرََا من ناحية شدَّتها وموعد ظهورها وذلك حسب العامل المسبِّب للالتهاب.
ومن هذه الأعراض والعلامات الملاحظة لدى البالغين والأطفال الأكبر من سنتين نذكر:
الحمَّى – الصُّداع – صلابة النُّقرة – الغثيان – الإقياء – الحساسيَّة للضَّوء – تسرُّع التنفُّس – برودة الأطراف – ألم عضَلي ومفصلي – تخليط ذهني – هذيان – هياج – خدر في الوجه – وسَن (نعاس) وسُبات – طفح جلدي.
أعراض التهاب السحايا عند الأطفال الرضع:
رفض الرّضاعة – حمَّى – بكاء عالي الطَّبقة ويزداد بحمل الرَّضيع – تيبُّس جسم الرضيع أو رخاوته الشديدة (نقص المقويَّة العضليَّة) ونقص حساسيَّته للمنبِّهات – الخمول والنُّعاس وقلَّة النشاط أو ربَّما انزعاج وتهيُّج – ملاحظة توُّرمٍ أملس في قمَّة رأس الرَّضيع يُدعى الانتباج اليافوخي.
لذلك، ينصَح بطلب المساعدة الطبيَّة عند الشَّك بالمرَض أو ظهور بعض أعراضه، بسبب احتماليَّة تطوّره سريعََا خلال ساعات أو أيَّام فيُسيء للإنذار.
هل يمكن أن يترك التهاب أغشية الدماغ مضاعفاتٍ طويلة الأمد؟
إنَّ مضاعفات التهاب السحايا تعكس الضَّرر الحاصل في النُّسج العصبيَّة خصوصََا. وتبعََا للإحصائيَّات؛ سيطوّر شخص واحد من كلّ 2 – 3 أشخاص مصابين بالالتهاب البكتيري مضاعفةََ واحدةََ طويلة الأمد على الأقلّ. وتزداد نسبة حدوث هذه المُضاعفات عندَ تأخُّر العلاج سواء للبالغين أو للأطفال.
في حين أنَّ الالتهاب الفيروسي مُحدِّدٌ لذاته غالبََا، ونادرََا ما يُسبّب عقابيل طويلة الأمد.
تتضمن المضاعفات:
- فقدان السمع (تام أو جزئي)
- مشكلات بالوعي والذَّاكرة
- صعوبات تعلُّم
- مشكلات بالسُّلوك والتَّنسيق الحَرَكي والتَّوازن
- شلل أو صعوبة بالمشي
- فقدان البَصَر (جزئي أو تام)
- السكتة الدّماغية
- فشل كلوي
- مشاكل عظميَّة ومفصليَّة مثل التهاب المفاصل
- خسارة الطَّرف؛ ويكون البَتر ضروريََّا أحيانََا لإزالة النُّسج المتأذِّيَّة والحدّ من انتشار العدوى إلى بقيَّة الجسم.
- الوفاة بنسبة 1/10 من الحالات
العلاج والتَّدبير:
يحتاج المرضى المشتبه بإصابتهم إلى مجموعة من الاختبارات والاستقصاءات ضمن المشفى بهدف تأكيد التَّشخيص ومعرفة العامل المسبِّب للمرَض، ومن ثم الحصول على العلاج المناسب.
يتضمَّن علاج التهاب السحايا ضمان استقرار العلامات الحيويَّة للمريض بصورةٍ أساسيَّة عن طريق:
- تأمين الطريق الهوائي وتوفير الأوكسجين له.
- تزويده بالسَّوائل والمحاليل اللَّازمة في حالات الصَّدمة والتَّجفاف.
- علاجه مباشرةََ بالمضادات الحيوية الوريديَّة واسعة الطَّيف حتَّى قبل تأكيد التَّشخيص وتحديد النَّوع المُسبِّب.
العلاج حسب النمط المسبب:
بالنِّسبة للالتهاب البكتيري:
يكون العلاج بالمشفى، وتعدَّل نوعيَّة المضادات الحيوية بعد كشف العامل المسبّب إلى تلك التَّي تستهدف هذا العامل. وقد تعطى الستيروئيدات القشريَّة لتخفيف الالتهاب ووذمة الدِّماغ.
أمَّا الالتهاب الفيروسي غير الشَّديد:
فهو عادةََ محدّدٌ لذاته أي يشفى عفويََّا دون علاجٍ، وينصَح بالرَّاحة والإكثار من السَّوائل مع تناول المُسكّنات بحالة الألم، وقد يحتاج المريض إلى مضاد فيروسي في بعض الأحيان.
في علاج التهاب السحايا الفطري:
تستَعمل مضادَّات فطريَّةٌ، وقد تكون هناك حاجةٌ للبقاء في المشفى لبعض الوقت في حالات التجفاف أو الأعراض الشَّديدة.
إضافةََ لما سبق؛ من المفيد جدََّا تقديمُ علاجٍ إضافيٍّ وداعمٍ في حال حدوث مُضاعفات التهاب السحايا طويلة الأمد.
إضافةََ إلى الدَّعم النَّفسي واستشارة المختصِّين إذا كانت فترة الإصابة والعلاج الطَّويليَن قد أثَّرَت في الحالة النَّفسيَّة للمريض وما يرافقها من اضطرابات نومٍ أو رهاب مشافي.
الوقاية من التهاب السحايا:
هناك مجموعة من اللّقاحات تقدَّم للحماية من أنواعٍ معيَّنةٍ من التهاب أغشية الدماغ.
ويُمكن أيضََا للمخالطين للشَّخص المصاب بالالتهاب تلقِّي جرعاتٍ وقائيَّةٍ من المضادات الحيويَّة تحت إشراف الطبيب إذا كان اختلاطهم به طويلََا، أما إذا كان الاختلاط لفترة قصيرة فلا داعي لها.
بالإضافة إلى مجموعةٍ من العادات العامَّة واليوميَّة للوقاية من البكتيريا والفيروسات الَّتي قد تسبّب هذا المَرَض. مثل غسل الأيدي وعدم مشاركة أطباق الطَّعام وعبوات الماء أو فراشي الأسنان مع الآخرين، وتغطية الأنف والفم عند العطاس والسّعال، والحفاظ على نظامٍ غذائيٍّ صحّيٍّ والحصول على قدر كافٍ من السَّوائل.
الخلاصة:
نجد أنَّ التهاب السحايا مرض يعتمد سيره وإنذاره على النوع المسبّب ومدى سرعة تلقّي العلاج المناسب.
ومعظم المرضى يتعافَون من غالبيَّة الأنواع، مع احتماليَّة إصابة بعضهم بمضاعفات طويلة الأمد. لذلك، ينصح دومََا بطلب المساعدة الطّبيَّة عند الشَّكّ بالإصابة لتجنّب أيّ خطرٍ يمكن تفاديه.
إعداد:
د. ليليان باسم إبراهيم.
اقرأ أيضًا: