fbpx

التغيرات المزاجية بعد الولادة: دليل شامل للمرأة الجديدة

التغيرات المزاجية بعد الولادة هي من الحالات الشائعة التي تواجه كثير من الأمهات بعد ولاداتهن (Postpartum Period). وهذه التغيرات تتراوح بين الخفيفة والشديدة، وغالبًا ما تكون مرتبطة بالتغييرات الهرمونية والجسدية والنفسية التي تحدث بعد الإنجاب.

وفي سياق البحوث الطبية، تشير الدراسات إلى أن نحو 70-80% من الأمهات الجديدات يعانين من “بيبي بلوز” (Baby Blues)، بينما قد يتطور الأمر إلى اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression) لدى 10-15% منهن.

في هذا المقال البحثي الأكاديمي، نستعرض بشكل مفصل ومنظم التغييرات بعد الولادة، مع التركيز على الأسباب العلمية، والأعراض السريرية، وعوامل الخطر المحتملة، والعلاجات المتاحة المبنية على الأدلة (Evidence-Based Treatments). سنعتمد على أحدث البحوث الطبية من منظور أكاديمي لتقديم معلومات دقيقة وشاملة حول اكتئاب ما بعد الولادة والقلق المرتبط به.

إذا كنت أمًا جديدة أو تخططين للإنجاب، فإن فهم اضطرابات المزاج بعد الإنجاب يمكن أن يساعدك في التعامل معها بشكل أفضل، ويعزز من صحتك النفسية والجسدية، مع نصائح عملية للوقاية والدعم. اكتشفي كيف يمكنك التغلب على اكتئاب الأمومة والحفاظ على رفاهيتك الشاملة.

 

ما هي التغيرات المزاجية بعد الولادة؟

تعدّ التغيرات المزاجية بعد الولادة ظاهرة شائعة ومعقدة ناتجة عن التفاعل بين العوامل الهرمونية والنفسية والاجتماعية التي ترافق مرحلة ما بعد الولادة. ويمكن تصنيف هذه التغيرات إلى ثلاث فئات رئيسة تختلف في شدتها ومدتها وتأثيرها على الأداء الوظيفي والنفسي للأم.

  1. أكثر هذه الحالات شيوعًا هي الكآبة النفاسية (Postpartum Blues): وهي اضطراب عابر يصيب نحو 80٪ من النساء بعد الولادة. تظهر أعراضه عادة خلال الأيام القليلة الأولى وتستمر لمدة لا تتجاوز أسبوعين. تتجلى الحالة في تقلبات مزاجية مفاجئة، وبكاء دون سبب واضح، وشعور بالقلق والتعب والانفعال العاطفي، وغالبًا ما تزول تلقائيًا مع الدعم النفسي والعائلي.
  2. أما اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression) فيُعد اضطرابًا أكثر حدة واستمرارية، ويصيب نحو 7٪ من الأمهات. يتسم هذا النوع بمشاعر عميقة من الحزن واليأس وفقدان المتعة، واضطرابات النوم والشهية، وتراجع القدرة على أداء الأنشطة اليومية أو العناية بالرضيع. يتطلب هذا الاضطراب تقييمًا سريريًا دقيقًا وتدخلاً علاجياً نفسياً ودوائياً عند الحاجة.
  3. وفي حالات نادرة جدًا، قد تتطور الأعراض إلى ذهان ما بعد الولادة (Postpartum Psychosis)، وهو اضطراب حاد يشكل حالة طارئة تستدعي التدخل الطبي الفوري. يتميز باضطرابات في التفكير والإدراك، وهلوسات أو أوهام، وقد يعرض الأم أو الرضيع للخطر إن لم يتم التعامل معه بسرعة.

لذلك، تؤكد الدراسات الحديثة على أهمية الكشف المبكر عن هذه التغيرات المزاجية بعد الولادة التي قد تصيب النساء وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهن للحد من المضاعفات.

 

التغيرات النفسية والجسدية بعد الولادة: تفاعل معقد بين العوامل البيولوجية والنفسية

تعد فترة ما بعد الولادة مرحلة حساسة تشهد فيها المرأة  تغيرات نفسية وجسدية ملحوظة، تنجم عن تفاعل معقد بين عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية.

تؤثر هذه التغيرات المزاجية بعد الولادة في مستويات الطاقة والرفاهية العامة للأم، مما يستدعي فهماً دقيقاً لأسبابها لتقديم الدعم المناسب.

أهم العوامل المؤثرة في اضطراب المزاج بعد الإنجاب:

1. التغييرات الهرمونية الحادة
يؤدي الانخفاض السريع في مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون بعد الولادة إلى اختلال التوازن الهرموني، مما يؤثر بشكل مباشر على الحالة المزاجية ومستويات الطاقة. هذا التغير الهرموني يُعد من أبرز العوامل التي قد تُسهم في ظهور أعراض مثل الاكتئاب أو القلق.

2. الإرهاق الجسدي ونقص النوم  
تتطلب رعاية الرضيع جهداً متواصلاً، مما يؤدي إلى الإرهاق الجسدي ونقص النوم المزمن. هذه الحالة تزيد من الشعور بالإجهاد وتُضعف قدرة الأم على التعامل مع التحديات اليومية، مما قد يؤثر سلباً على سلامتها النفسية.

3. التغييرات الفسيولوجية
تشهد الأم تغيرات جسدية متعددة بعد الولادة، تشمل:
– احتباس السوائل، الذي يسبب الشعور بالانتفاخ وعدم الراحة.
– تساقط الشعر، الذي قد يؤثر على الثقة بالنفس.
– الومضات الساخنة وفرط التعرق الليلي، اللذان يعكسان تغيرات هرمونية.
جفاف الجلد، الذي يزيد من الإحساس بعدم الراحة الجسدية.

4. اضطرابات الغدة الدرقية 
يمكن أن يؤدي قصور الغدة الدرقية أو فرط نشاطها إلى مجموعة حادة من التغيرات المزاجية بعد الولادة. إذ تؤثر هذه الاضطرابات على عمليات التمثيل الغذائي والتوازن النفسي، مما قد يُفاقم أعراض الاكتئاب أو القلق.

5. العوامل النفسية 
تلعب العوامل النفسية، مثل القلق المرتبط بمسؤوليات الأمومة والتوتر الناتج عن التغيرات الحياتية أو وجود تاريخ مرضي سابق بالاكتئاب دوراً مهماً في تفاقم الحالة النفسية.

هذه العوامل قد تزيد من مخاطر الإصابة بالاكتئاب ما بعد الولادة.

 

الأعراض النفسية للتغيرات المزاجية بعد الولادة: 

1. الحزن النفاسي (Baby Blues)
الحزن النفاسي حالة شائعة تصيب الأم بعد الولادة، عادةً خلال الأيام الأولى وحتى أسبوعين. غالبًا ما تكون أعراضها خفيفة ومؤقتة، وتشمل:

  • تقلبات المزاج السريعة.
  • شعور بالقلق أو التوتر.
  • الحزن المفاجئ والبكاء المتكرر.
  • الانفعال وسرعة الغضب.
  • انخفاض الرغبة الجنسية.
  • شعور بالإرهاق والتعب المستمر.
  • ضعف التركيز والانتباه.
  • مشاكل في الشهية.
  • صعوبة في النوم.

غالبًا تتحسن هذه الأعراض دون تدخل طبي خلال أسبوعين من الولادة.

من الأعراض الأخرى أيضًا:

2. اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression)

يختلف اكتئاب ما بعد الولادة عن الحزن النفاسي، فهو أكثر شدة وقد يستمر لفترة أطول، وقد يعيق قدرة الأم على العناية بنفسها أو بطفلها.

تبدأ الأعراض غالبًا خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة، لكنها قد تظهر أحيانًا خلال الحمل أو حتى بعد سنة من الولادة. وتشمل الأعراض:

  • مزاج مكتئب أو تقلبات مزاجية شديدة
  • العزلة الاجتماعية وفقدان الرغبة في التواصل.
  • تغيرات في الشهية  (فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام).
  • اضطرابات النوم  (صعوبة في النوم رغم الشعور بالإرهاق).
  • التعب الشديد أو فقدان الطاقة
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة الممتعة سابقًا
  • نوبات غضب أو عصبية شديدة
  • مشاعر ذنب حادة أو انتقاد ذاتي مفرط (الإحساس بأنك أم “سيئة”)
  • البكاء المتكرر دون سبب واضح
  • صعوبة في الارتباط العاطفي مع الطفل.
  • الشعور باليأس أو الانعدام القيمة
  • الذنب أو الخجل المفرط
  • ضعف القدرة على التركيز أو اتخاذ القرارات
  • القلق الشديد ونوبات الهلع
  • أفكار إيذاء النفس أو الطفل
  • التفكير المتكرر بالموت أو الانتحار

لذلك، يجب تقديم العلاج المناسب في أسرع وقت، فإذا تُرك دون علاج، قد يستمر الاكتئاب لعدة أشهر أو أكثر.

3. اضطراب ذهاني ما بعد الولادة (Postpartum Psychosis)

حالة نادرة لكنها خطيرة، غالبًا تظهر خلال الأسبوع الأول بعد الولادة، وتعتبر حالة طارئة تتطلب علاجًا فوريًا. تشمل الأعراض:

  • الشعور بالارتباك وفقدان الاتصال بالواقع
  • مشاكل شديدة في النوم
  • زيادة الطاقة والشعور بالاضطراب النفسي.
  • محاولات إيذاء النفس أو الطفل
  • الهلاوس (سماع أو رؤية أشياء غير موجودة)
  • الضلالات (معتقدات خاطئة لا تستند إلى الواقع)
  • الارتباك العقلي وفقدان الترابط في التفكير

هذه الحالة قد تكون مهددة للحياة وتتطلب تدخلًا طبيًا  عاجلًا.

 

تشمل العوامل التي تزيد من خطر الإصابة ما يلي:

  • أحداث حياتية صادمة أو مرهقة .
  • نقص الدعم الاجتماعي.
  • تاريخ شخصي أو عائلي من الاكتئاب.
  • صعوبات في الحمل أو الولادة.
  • إنجاب توأم أو أكثر.
  • الحمل في سن المراهقة.
  • الولادة المبكرة (قبل الأسبوع 37).
  • مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة.

 

كيفية التعامل مع اكتئاب الأمومة:

إن الكشف المبكر والدعم الأسري والعلاج المتكامل (النفسي والدوائي عند الحاجة) يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في مسار التعافي.

كما أن تعزيز الوعي بأهمية الرعاية الذاتية والعاطفية بعد الولادة يمثل جزءًا أساسيًا من الوقاية والعلاج الفعّال لهذا الاضطراب،  إضافة إلى إدارة الحياة بعد الولادة.

فيما يلي بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على التأقلم مع رعاية المولود الجديد في المنزل وتجنبك بعض التغيرات المزاجية بعد الولادة :

  • اطلبي المساعدة: دعي الآخرين يعرفون بشكل واضح كيف يمكنهم مساعدتك.
  • كوني واقعية بشأن توقعاتك من نفسك ومن طفلك.
  • مارسي النشاط البدني ضمن الحدود التي يوصي بها طبيبك. إذ يمكنك مثلاً الخروج للمشي وأخذ فترات استراحة قصيرة خارج المنزل.
  • توقّعي وجود أيام جيدة وأخرى صعبة، فهذا أمر طبيعي خلال فترة التعافي بعد الولادة.
  • اتبعي نظامًا غذائيًا صحيًا ومتوازنًا، وتجنّبي تناول الكحول والكافيين.
  • اعملي على تعزيز علاقتك مع شريكك، وخصِّصا وقتًا لقضائه معًا.
  • حافظي على التواصل مع العائلة والأصدقاء، ولا تعزلي نفسك اجتماعيًا.
  • قلّلي من عدد الزائرين في الأيام الأولى بعد العودة إلى المنزل.
  • تحكّمي في المكالمات الهاتفية، ولا تترددي في تأجيل الرد إذا كنتِ بحاجة للراحة.
  • نامي أو استريحي عندما ينام طفلك، فالنوم الكافي يساعد على التعافي الجسدي والنفسي.

الأهم هو عدم تجاهل الأعراض أو الشعور بالذنب. لذلك، اطلبي المساعدة فوراً لضمان التعافي الأمثل.

التغيرات المزاجية بعد الولادة ليست ضعفًا، بل استجابة طبيعية لتغيرات بيولوجية ونفسية معقدة. الفهم المبكر وطلب الدعم من المختصين يمكن أن يحدثا فارقًا كبيرًا في رحلة التعافي النفسي للأم.

 

إعداد:

د. ميرنا زين الدين

اقرأ أيضًا:

اضطراب ما بعد الصدمة: الأعراض والأنواع وطرق العلاج

التغيرات الجلدية خلال الحمل : أعراضها وطرق علاجها