fbpx

ماهو سكري الورد (سكري الشباب)؟

سكري الورد

مقال ذو صلة :

 سكري الورد..عمري اثنا عشر عاماً ،يقولون بأنّني بعمر الور،هكذا يعتاد الكبار على تشبيه الصّغار بمثل عمرنا بالورود…
ما يجهله أكثرهم أنه، وكما الورود تذبل، وتموت دون ماء ،وعناية ومناخ ملائم , كذلك نحن , ماؤنا الحب نذبل ونموت إن لم نُسقَ به يومياً،

و باستمرار ،كما لا تلائمنا سوى أجواء الدفء والحنو.

للمفارقة اسمي ورد أيضاً…
منذ #سنتين كانت المرة الأولى التي أدخل فيها مستشفى, المرة التي غيرت حياتي ونظامها وبدلتهما تبديلاً.
ألمّ بي يومها وهن عام مع آلام بطنية و إقياءات..                                        لم أكترث لأمرها بداية إذ سبق ،وأن تعرضت فيما مضى لالتهابات معوية تحسنت دون حاجة لاستشفاء ..           لكنها تلك المرة لم تتحسن.. بل بدأت أنفاسي تزداد تواتراً, وكذلك حالتي تسوء فنقلني والداي إلى المشفى ..
وخزة إصبع كانت الإجراء الأول الذي أخضعوني له .. لقياس مستوى السكر في دمي كما أخبروني ..                      اتسعت حدقات عيني الممرضة وهي تلحظ القيمة على الجهاز الخاص بالقياس….
الحقيقة أنّنا نتفوق على الكبار مهارةً في استقراء العيون ونظراتها , فحتّى ،ونحن في أوهن حالاتنا نستطيع أن نستشعر ما يختبئ خلف تلك البلّورتين من مشاعر سواء أكانت مشاعر غضب ,ودهشة ,خوف, اطمئنان ,وحب أو كراهية.                                  وبطريقة أو بأخرى تنقل إلينا تلك المقل المشاعر ذاتها.. وحده الخوف المفعم بالقلق كان الإحساس الذي نقلته إليّ عينا تلك الممرضة يومها دون قصد منها, ومن دون أن تنبس شفتاها بكلمة أمامي
أدخلوا بعدها في معصمي إبرة تخالها لمظهرها أول وهلة ناعمة لكن تأثيرها ليس كذلك البتة, يحركونها في معصمك جيئة وذهاباً لسحب الدم الشرياني, تألمت حينها فبكيت ,                       ولم أستطع أن أكبح صراخي الذي ملأ أروقة المشفى , رمقني والدي بنظرة أن اهدأ يكفي صراخاً وأردف ” ما بصير تبكي يا ورد .. أنت رجال ” تعبير موروث يستخدمه الكثير من الأهالي في تربية أبنائهم من الصبية !! لكن مهلاً أو ليس البكاء شعور إنساني طبيعي أو ليس الرجل إنساناً ؟ أليس من الأفضل أن تعبر عن حقيقة ما تعيشه من مشاعر عوضاً عن جعلها تأكلك من الداخل ؟من هذا المنطلق لم أحبذ تلك التعابير يوماً
سألني الأطباء إن كنت أعاني من تردد متكرر إلى الحمام أو عطاش دائم في الآونة الأخيرة تذكرت تنمر بعض من زملائي لطلبي المستمر الذهاب للحمام خلال الحصص المدرسية وشربي الماء دونما ارتواء …فأجبت بالإيجاب
طلب الأطباء التحدث إلى والديّ على انفراد بعد صدور نتائج كامل التحاليل ( التحاليل الوريدية , تحليل الدم الشرياني و فحص البول .., )
ومن بعيد وهم يتحدثون ,ركزت ناظريّ على عينَي أمي محاولاً كعادتي استقراءهما, ورغم بعد المسافة التي تفصلنا لمحت فيهما مسحة حزن وبداية دموع, ولأنني لا أطيق رؤية الحزن في تلك العينين ,ولأن دموعهما عندما تنهمر تسقط على قلبي كسكاكين, آثرت أن أغمض عينيّ على الفور , لم تمض عدة هنيهات حتى شعرت بموجة دفء تجتاحني , يد حانية تمسك يدي , شفتان ناعمتان قبّلتا خدي ثم همستا في أذني : لا تخف يا بني.. ستكون على ما يرام! ستتغلب على كل آلامك فأنت ورد الشجاع القوي كما عهدتك على الدوام … كان “صوت أمي ” النغمة الأجمل والأحن في موسيقا الكون
شعرت حينها أنني سوبر مان , بطل خارق كأبطال الحكايا التي ترويها لي قبل نومي
وقلت في نفسي : ها هو ورد قادم , على أتم الاستعداد لمواجهة كل ما سيعتريه في طريقه من تحديات ومغامرات !
يا لعظمة الأمهات وسحرهن ! كيف يستحيل الخوف على أيديهن أماناً ,والحزن طمأنينة , والضعف قوة !!
نمت يومها في المشفى , أنشأوا لي ملفا طبيّاً – إضبارة خاصة بي , كتب في مقدمتها “حماض كيتوني في سياق سكري نمط أول(سكري الورد) مكتشف للمرة الأولى”. أمطروا أوردتي سوائل وريدية وإنسولين بواسطة مضخة تعاير بدقة , تحسنت حالتي تدريجيّاً وتم تخريجي بعد أيام إلى حياة جديدة كليّاً
بات لزاماً عليّ فيها الالتزام بجرعات إنسولين يومية .. تعلمت مع الوقت أن أحقن إبر الإنسولين تحت جلدي بمفردي, بالإضافة لممارسة الرياضة والالتزام بحمية صارمة أصعب ما فيها الابتعاد عن الشوكولا المحلاة , الكاندي ومختلف أنواع الحلويات التي أعشقها .
الجميل في الأمر أنّني تعلمت بعمر مبكر قاعدة حياتية تقول : ليست كل الأشياء التي نحبها وتهواها نفوسنا تناسبنا بالضرورة أوتصب في صالحنا , أحياناً يكمن في التخلي عنها نصر وقوة .
وخزة الإصبع تلك ,أصبحت عادتي اليومية, أضحي كل يوم بنقطة أو أكثر من دمي لأراقب مستوى السكر فيه
قرأت ذات مرة على الإنترنت عن استحداث جهاز جديد مصمم لفحص السكر دون الحاجة لوخز الأصابع المتكرر والمؤلم, لمعت عيناي فرحاً ثم ما لبث أن غص قلبي وتذكرت أنني من بلاد عالم ثالث فهل يحق لي أن أحلم بجهاز متطور لقياس السكر !
من حسن الحظ أن الأحلام لا ترفع السكر ..ولهذا السبب قررت بأنني سأظل أحلم !
السكري الذي كان بالأمس عدوي اللدود صار اليوم صديقي ومعلمي ..
علمني صديقي أن أنظّم حياتي , وأن آخذ كل شيء فيها بحسبان ,أن أراقب سكر دمي على الدوام مع الالتزام بالحمية والدواء , لأحمي بصري نافذتي على العالم, وكليتيّ اللتين تطهران جسدي , وجهازي العصبي الذي أستشعر به ما حولي .. أو ليست حماية تلك النعم عربون شكر لواهبها… أو أليس إهمالها بنكران جميل له!
علمني صديقي أيضاً أن اختلافي عن الجميع والذي أبكاني بالأمس بات اليوم يشعرني بالتميز والقوة,
فكما تختلف الورود بألوانها وعطورها لتشكل لوحة جميلة , كذلك نحن أبرأ وألطف المخلوقات على هذه الأرض 💟

داء السكري
د. نورا رزق خليل