يعدّ سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات شيوعًا التي تهدد حياة النساء في جميع أنحاء العالم، وهو السبب الرئيسي للوفاة بين النساء المصابات بالسرطان. ويستخدم هذا المصطلح لوصف مجموعة من التصنيفات الفرعية لأورام الثدي، والتي تختلف من حيث المنشأ الخلوي والجزيئي والسير السريري. إذ تكون غالبية هذه الأورام هي أورام ظهارية ذات منشأ قنوي (تنشأ على حساب قنوات الحليب)، أو فصي (تنشأ على حساب فصوص نسيج الثدي)، فتقريباً حوالي 80% من حالات السرطان في الثدي تكون من النوع الغازي، مما يعني أن الورم يمكن أن ينتشر من الثدي إلى مناطق أخرى في الجسم.
ما أسباب سرطان الثدي ؟
يحدث سرطان الثدي عندما تصاب خلايا الثدي بطفرات تحولها إلى خلايا خبيثة تتكاثر بشكل غير منضبط مشكلةً أورامًا. لم تؤكد الأبحاث بشكل قاطع الأسباب التي تحفز هذا التحول، ولكن هناك عدة عوامل خطورة تزيد من احتمال الإصابة بسرطان الثدي، ومنها:
- العمر: يزيد خطر الإصابة بالسرطان مع التقدم في العمر، خاصة لدى الأشخاص فوق سن 55 عامًا.
- الجنس: السرطان أكثر شيوعًا بين النساء مقارنةً بالرجال.
- التاريخ العائلي: إصابة أحد الأقارب من الدرجة الأولى بالسرطان يزيد من احتمال الإصابة لدى باقي أفراد العائلة.
- الوراثة: حوالي 15% من حالات السرطان في الثدي ترتبط بطفرات جينية موروثة، وأشيع هذه الطفرات هي BRCA1 وBRCA2.
- التدخين: يرتبط التدخين بزيادة خطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطان، بما في ذلك الثدي.
- التعرض للأشعة: الأشخاص الذين تعرضوا للأشعة، خاصة في منطقة الرأس والعنق وجدار الصدر، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالسرطان.
- تناول العلاجات الهرمونية بعد سن انقطاع الطمث.
- البدانة.
- شرب الكحول.
لذلك، من خلال فهم هذه العوامل وتجنبها قدر الإمكان، يمكن تقليل خطر حدوث سرطان الثدي . كما أن الفحص الدوري والتشخيص المبكر يبقى الأساس في الوقاية وتحسين معدلات الشفاء والبقاء على قيد الحياة.
ما هي أعراض سرطان الثدي وكيف يشخّص؟
يمكن أن يكون السرطان غير عرضي في مراحله المبكرة، إذ لا تظهر أعراض واضحة على المريضة. بينما في المراحل المتقدمة، قد يظهر الورم ككتلة غير مؤلمة، إذ إن الألم وعدم الراحة ليسا عادةً من أعراض سرطان الثدي ، وفقط 5% من المرضى الذين يعانون من كتلة خبيثة يشعرون بألم في الثدي.
إذا لم تلاحظ المريضة وجود كتلة، فإن العلامات والأعراض التي قد تشير إلى احتمال وجود السرطان تشمل ما يلي:
- تغير في حجم أو شكل الثدي: حتى في غياب وجود أي كتلة مجسوسة.
- تنقر جلد الثدي: أو حدوث أي تغيرات فيه مثل زيادة السماكة، تورم أو احمرار.
- انقلاب حديث في الحلمة: أو أي اضطراب فيها.
- خروج سائل من الحلمة: خصوصاً إذا كان مدمى.
- جس كتلة في الإبط.
لذلك، عند ظهور مثل هذه العلامات أو الأعراض يجب مراجعة الطبيب مباشرةً.
طرق تشخيص السرطان:
يبقى الكشف المبكر الخط الأول في تشخيص سرطان الثدي المتقدم والوقاية منه، إذ غالباً ما يتم اكتشاف السرطان لأول مرة من خلال ملاحظة شذوذ غير طبيعي على صورة الماموغرام من قبل الطبيب قبل أن تشعر المريضة بوجود كتلة.
يتضمن تقييم الكتلة الإجراءات التالية:
- الفحص السريري.
- التصوير الشعاعي.
- الخزعة.
يجب أن تثير الموجودات السريرية التالية القلق لدى الطبيب الفاحص عند فحص الثدي:
- تغير في حدود الثدي.
- انكماش جلد الثدي.
- انقلاب حديث في الحلمة أو وجود أوردة متوسعة.
- وجود تقرحات.
- ظهور إكزيما كالطفح أو احمرار على الحلمة أو المنطقة المحيطة بها.
- خروج سائل من الحلمة.
- علامة قشر البرتقال.
في حال وجود كتلة واضحة قد يكون من الصعب تحديد طبيعتها سريريًا، لكن وجود أي من المظاهر التالية غالبًا ما يشير إلى كتلة سرطانية:
- القساوة.
- عدم الانتظام.
- احتوائها على عقيدات بؤرية.
- ارتباطها بالجلد أو العضلة الصدرية.
- عدم التناظر مقارنة بالثدي الآخر.
يجب أن يشمل الفحص السريري أيضًا تحري النقائل اللمفاوية والبعيدة، والتي تحدث في العظام بالدرجة الأولى، يليها الرئة والكبد والدماغ، لذلك، يجب أن يشمل الفحص منطقة الإبطين، والحفرة فوق الترقوة والصدر ومواضع آلام الهيكل العظمي، وإجراء فحوصات للبطن والجهاز العصبي. كما ينبغي أن يكون الطبيب الفاحص على علم بأعراض الانتشار النقائلي، والتي تشمل:
- الآلام العظمية.
- أعراض فرط كلس الدم.
- صعوبات في التنفس.
- انتفاخ في البطن (حبن).
- اليرقان.
- علامات عصبية مركزية.
- تغيرات في الوظائف المعرفية.
- الصداع.
التشخيص المبكر هو المفتاح لتحقيق أفضل نتائج العلاج، إذ إن الكشف عن السرطان في مراحله الأولى يزيد من فرص الشفاء ويحسن نوعية حياة المرضى.
التصوير الشعاعي:
تشمل طرق التصوير المستخدمة في تشخيص سرطان الثدي ما يلي:
- الماموغرام.
- الإيكو.
- الرنين المغناطيسي مع أو بدون تباين.
تساعد هذه الإجراءات في الكشف المبكر عن السرطان وتحديد مدى انتشاره، مما يسهم في وضع خطة علاجية مناسبة وزيادة فرص الشفاء.
الخزعة:
تعدّ الخزعة النسيجية الموجهة بالدليل الشعاعي النهج التشخيصي الموصى به لكتل الثدي المشخّصة حديثاً، فمن خلال هذه الطريقة، يمكن الحصول على عينة من نسيج الكتلة المشتبه بها دون الحاجة إلى إجراء جراحي.
يتم فحص النسيج المأخوذ بالخزعة لتحديد ما إذا كانت الكتلة حميدة أو خبيثة. في حالة كانت الكتلة خبيثة، يتم تحديد نوع السرطان ومن ثم إجراء فحص كيميائي نسيجي مناعي لتحري مستقبلات الهرمون، مما يساعد في تصنيف السرطان إلى أنواع فرعية، ويسهم في تحديد الخطة العلاجية المناسبة للمريض.
التصنيف الفرعي لسرطانات الثدي:
يصنف الأطباء الأنواع الفرعية لسرطان الثدي بناءً على حالة مستقبلات الخلايا، إذ تعرف المستقبلات بأنها جزيئات بروتين توجد على أسطح الخلايا أو داخلها. يمكن لهذه المستقبلات جذب مواد معينة في الدم والارتباط بها، بما في ذلك الهرمونات مثل الإستروجين والبروجسترون، التي تساعد الخلايا السرطانية على النمو. يتم تصنيف سرطان الثدي عادةً إلى الأنواع الفرعية التالية بناءً على وجود أو عدم وجود هذه المستقبلات:
- السرطان الإيجابي لمستقبلات الهرمونات (HR+): ويشمل السرطان الإيجابي لمستقبلات الإستروجين (ER+) والإيجابي لمستقبلات البروجسترون (PR+)، إذ تعتمد خلايا السرطان على هذه الهرمونات للنمو.
- السرطان الإيجابي لمستقبلات HER2: يحتوي هذا النوع على مستويات عالية من بروتين HER2، الذي يعزز نمو الخلايا السرطانية، ويمكن أن يكون هذا النوع أكثر عدوانية من الأنواع الأخرى.
- السرطان الثلاثي السلبي (TNBC): لا يحتوي هذا النوع على مستقبلات الإستروجين أو البروجسترون، ولا يحتوي على كميات كبيرة من بروتين HER2. يُعتبر هذا النوع أكثر صعوبة في العلاج لأنه لا يستجيب للعلاجات الهرمونية التقليدية.
تصنيف السرطان إلى هذه الأنواع الفرعية يساعد في توجيه العلاج بشكل دقيق. لذلك، يمكن للأطباء اختيار العلاجات التي تستهدف المستقبلات المحددة أو البروتينات التي تساهم في نمو السرطان، مما يزيد من فعالية العلاج ويقلل من الآثار الجانبية المحتملة.
التدبير والعلاج:
يعد العلاج الجراحي والعلاج الكيماوي المساعد والعلاج الشعاعي إضافة إلى العلاج الهرموني الخط الأولي في علاج أورام الثدي البدئية.
تعدّ الجراحة خطوةً أساسيةً في علاج سرطان الثدي في مراحله المبكرة، إذ يمكن للعديد من المرضى في هذه المرحلة الشفاء من خلال الجراحة وحدها. إذ تهدف الجراحة إلى استئصال الورم البدئي بالكامل مع الحواف السلبية للحد من خطر الانتكاسات الموضعية، وتحديد التصنيف المرحلي للورم والعقد اللمفاوية الإبطية، ما يوفر توقعات دقيقة حول سير المرض.
العلاج الكيميائي المساعد
يعدّ العلاج الكيميائي المساعد هو الخيار الأول قبل الجراحة للمرضى الذين يعانون من سرطانات الثدي المتقدمة موضعياً (هي عبارة عن سرطانات تنمو وتتطور ضمن نسيج الثدي دون أن تنتشر خارجه أو خارج العقد اللمفية الموضعية، ونصف به الأورام البدئية أكبر من 5 سم) وذلك لتقليل حجم الورم والسماح بإجراء جراحة نهائية. ويكون هذا العلاج فعّالًا أيضًا في حالات كارسينوما الثدي الالتهابية وتضخم العقد اللمفاوية أعلى الترقوة بنفس جهة الكتلة، وتضخم العقد الإبطية، وامتداد الورم للجلد أو العضلة.
النهج الحديث في علاج سرطان الثدي :
يشمل النهج الحديث في علاج سرطان الثدي ما يعرف بأسلوب الشطيرة، فيتكون بذلك من 3 أقسام (كما في شطيرة الهمبرغر). إذ يتضمن هذا العلاج تناوب جولات من العلاج الكيميائي قبل الجراحة، تليها الجراحة ومن ثم العلاج الكيميائي مرة أخرى بعد الجراحة. يساعد هذا النهج على رفع الاستجابة النسيجية الكاملة للعلاج من 14% حتى 26% على الرغم من أن الأبحاث أظهرت على بعض المرضى أن إعطاء العلاج الكيماوي كاملاً قبل الجراحة قد كان أكثر فعالية في رفع هذه الاستجابة.
على العموم، يجب أن يعطى العلاج الكيماوي قبل الجراحة لكل المرضى المخطط لهم أخذ العلاج الكيماوي ضمن خطة العلاج، وذلك لتحسين فرصة حدوث استجابة نسيجية كاملة للعلاج من جهة والتي ثبت علاقتها بنتائج محسنة (معدلات شفاء تام أعلى ب 90%). ومن جهة أخرى يمكن أن توجه الاستجابة للعلاج قبل الجراحة في كل من سرطان الثدي الثلاثي السلبي والسرطان إيجابي ال HER2 اختيار العلاج المناسب للمريض بعد العمل الجراحي بشكل فعال. بينما من غير المحتمل أن يحقق المرضى المصابين بورم الثدي المتقدم موضعياً سلبي ال HER2 استجابة نسيجية كاملة من العلاج الكيماوي لوحده، وبهذا يكون الأسلوب العلاجي الأفضل في هؤلاء المرضى إضافة العلاج الهرموني ومشاركته في بعض الحالات مع العلاجات الهدفية.
الخلاصة:
يعد تشخيص وجود سرطان في الثدي ورحلة التشافي منه تجربة مؤلمة مليئة بالتحديات الجسدية والعاطفية، ويتعين على المريض مواجهة مخاوفه وقلقه بشأن المستقبل. هنا يأتي دور الدعم النفسي الذي يلعب دورًا كبيرًا في تحسين جودة حياة المريض وزيادة قدرته على التحمل. إذ يقدَم الدعم النفسي من خلال الأطباء النفسيين والمستشارين الاجتماعيين، وكذلك من خلال دعم الأهل والأصدقاء، وهو يساعد المريض على التعبير عن مشاعره والتعامل مع القلق والاكتئاب، مما يمكن أن يعزز من استجابته للعلاج ويخفف من معاناته.
في الختام، تكامل العلاج الطبي والدعم النفسي هو السبيل لتحقيق أفضل النتائج لمرضى سرطان الثدي ، فالاهتمام بالجانب النفسي والعاطفي للمريض لا يقل أهمية عن العلاج الجسدي، بل هو جزء لا يتجزأ من رحلة الشفاء، إذ يمكن للتعاطف والدعم والمساندة أن تصنع فارقًا كبيرًا، وتعيد للمريض قوته وعزيمته في مواجهة المرض والتغلب عليه.
إعداد: د. لارا سوسة
اقرأ أيضًا: