عندما تكون البدانة انتحاراً عاطفياً لا شعورياً. تذهب تلك السيدة البدينة إلى مختص التغذية لكي يضع لها رجيماً غذائياً ، و تلحّ عليه أن يكون قاسياً، و تتناول العديد من الأدوية لتساعدها على خفض وزنها ، و يتحقق لها بعض ما أرادت و ينخفض وزنها تدريجياً …
لكنها فجأة تُفسد كل شيء و تلتهم في مرة واحدة كميات هائلة من الطعام ، و تُهمل الريجيم و يزداد وزنها مرة أخرى . ثم تعود إلى مختص التغذية ٱسفة متبرمة من وزنها راجية مرة أخرى و واعدة بأن تلتزم هذه المرة . تتكرر هذه اللعبة عشرات المرات حتى تيأس لا من الريجيم بل من نفسها . و تعترف بأنها لا تستطع مقاومة رغبتها العارمة في اصناف معينة من الطعام معروفاً أنها تزيد الوزن .
ما علاقة الطب النفسي بمشكلة البدانة ؟
أكدت الأبحاث أن الفتاة المصابة بـ البدانة تتمتع بسمات نفسية تجعلها تقاوم خفض الوزن. بالرغم من انها تّظهر إخلاصاً و نية صادقة بذلك لكن كل هذا ينهار فجأة . فهي تلتزم بنظام غذائي و تنجح أحياناً و يصل وزنها لحد معقول. و فجأة تأكل بنهَم شديد ، فهي تفقد السيطرة التامة و تضعف ارادتها تماماً أمام الطعام. في الحقيقة أن البدانة قد تحقق لها توازناً نفسيأ أو تحميها من انهيار نفسي ،لهذا تتشبث بها رغم انها تصرخ بشكل واعي انها تكره البدانة .
فهل يحدث اضطراب نفسي فعلأً إذا بدأ الريجيم بالنجاح ؟
كل الأبحاث أكّدت أنه أثناء الريجيم و مع الانخفاض الملموس بالوزن تكتئب المريضة و تشعر بحزن غير مبرر و تنخفض معنوياتها . تقول إحداهن : أنها عندما فقدت وزنها و أصبحت تلقى استحسان زوجها و أهلها ، داهمها حزن مخيف و بدأت تشعر بالتبلد و العزلة و أن وجهها أصبح باهتاً اكتساه الغم فاندفعت بجنون نحو الطعام و أكلت بلا وعي … تقول : (أنقذني الطعام من الضياع ).
إذن الطعام كان الدواء الذي أزال الاكتئاب و القلق ، و هذا يقربنا لفهم تفسير تلك البدانة :
القصة أنه منذ الولادة تتحرك الشفاه استجابة للمعدة و يلتقط الطفل ثدي أمه . و عندما يبكي تسارع أمه لاسكاته بالطعام ، و يصبح الطعام أهم و أول عامل للعلاقة العاطفية مع الأم . و يحتل الطعام مركزاً مهماً لإزالة توتر الطفل أو حتى وسيلة لمكافأته على حسن سلوكه . و مع الوقت لا يستطيع الطفل أن يميز بين حالة الجوع و الحالات الوجدانية كالحزن ..
هذه المرحلة الفموية التي يتعرف فيها الطفل على ما حوله من خلال الفم . بعض الناس تتثبت تطوره النفسي عند هذه المرحلة بسبب صدمة على هيئة إهمال أو نبذ أو إشباع زائد عن الحد كرغبة نرجسية من الأم دفعتها لإطعام طفلها بشكل زائد ليصبح بحالة تشعر هي فيها بالفخر و تُمتدح لأجلها . و عندما يكبر و يشعر ب أي خوف او اكتئاب او قلق يصبح الطعام هو الوسيلة لتهدئة هذه المشاعر بدل التواصل الإنساني و وسائل العلاج الأخرى .
هناك تحليل آخر حول البدانة يقول :
إن مريض البدانة النفسية لديه خوف من إقامة العلاقات مع الآخرين ، خاصة من العلاقة الجنسية و يلجأ للطعام ليصبح غير مرغوب فيه( انتحار عاطفي ) و يصبح الطعام اشباعاً لكل رغباته النفسية . من الممكن أن يتعذر الشاب ببدانته عن الزواج لوجود عنانة لديه. و كذلك الفتاة التي تشكو برودا جنسياً. و ربما وجود رغبات جنسية محرمة يتعذر تحقيقها فيسلم نفسه لمتعة الطعام بدلاً من متعة الجنس. أو قد تمثل البدانة رغبة في الحمل عند الانثى. او رغبة الرجل أن يكون له ذرية فلا يظهر ذلك و يلجأ للافراط بالطعام و تحصيل البدانة كبديل. و قد تحقق البدانه احساساً بالقوة تحميه من شعوره بقلق الانفصال او الشعور بالوحدة او النقص..
في كل الحالات مريض البدانة النفسية يحتاج لعلاج نفسي معرفي و مساعدته في حل الصراعات النفسية القديمة، او مساعدته ليتجاوز الضغوط الحالية و ربما يحتاج لعلاج دوائي لكي تعطي الأنظمة الغذائية (الريجيم) و الرياضة النتائج المرجوة منها .
و دمتم بخير .
د. باسم يوسف
اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن متلازمة جثة المشي أو مايدعى طبياً وهم كوتارد