التهاب البنكرياس هو مرضٌ يصبح فيه البنكرياس مخرَّباً وملتهباً وذلك نتيجة تفعيل المواد الكيميائيّة الهضميّة، ويكون غالباً مؤقتاً أي بشكل حاد، ولكنّه يمكن أن يكون مزمناً أي طوال حياةِ المريض. ويعد الألم البطنيّ أشيع أعراضِه، وإنّ أشهر أسبابه هو استهلاك الكحول والتحصي المراري.
ما هو التهاب البنكرياس ؟
البنكرياس هو عضو رئيسي في الجسم يتوضّع بين المعدة والعمود الفقري، إذ إنّه يساوي حجم اليد اليمنى عند وضعها على المعدة وتوضعها يساوي تقريباً حجم وشكل البنكرياس خلفها. فإذا كنت تعاني من التهاب البنكرياس فسوف تشعر غالباً بألمٍ شرسوفي ينتشر إلى الظّهر.
للبنكرياس وظائف عديدة شديدة الأهمية كالمشاركة في عمليّةِ الهضم وتنظيم نسبة السّكر في الدّم وإنتاج بعض الأنزيمات الهضميّة كالأميلاز والهرمونات كالأنسولين. ويلقي بالأنزيمات الهاضمة عبر القناة البنكرياسية إلى الأمعاء الدقيقة أثناء عمليّة الهضم.
ويعرف الالتهاب أنّه استجابةُ الجهاز المناعيّ للضّررِ الحاصل في جسمنا للمساعدة في شفاء الأنسجة المصابة، ونلاحظ إن أغلب حالات الالتهاب في البنكرياس تكون بسبب حصيات المرارة أو الإدمان على الكحول.
أنواع التهاب البنكرياس :
ونلاحظُ أنه يوجد نوعان رئيسيان هما: الحاد والمزمن. التهاب البنكرياس الحاد يعرف كحالةٍ مؤقتة تحدث عند محاولة البنكرياس لاستعادة شفائه بعد أذيّةٍ صغيرة قصيرة الأمد. لذلك، نجد أنّ أغلب مرضى الالتهاب الحاد يستعيدون شفاءهم بعد بضعةِ أيام بمساعدة بعض الإجراءاتِ الداعمة كالراحة والإماهة الجيدة وتسكين الألم. ورغم ذلك فقد توجد بعض الحالات من الالتهاب الحاد الشديدة جدًا والتي قد تسبب مضاعفاتٍ صحيّة خطيرة.
التهاب البنكرياس المزمن هو حالة مترقية طويلة الأمد تزداد سوءًا مع الأيام ولا تشفى. ويحدث نتيجة أذيّةٍ مستمرةٍ للبنكرياس وربما قد يستغرق الأمر عدة سنوات ليحدث. وفي هذا النوع من الالتهاب المستمر تحدث ندوب وتليفات في أنسجة البنكرياس تمنعها من إنتاج الأنزيمات والهرمونات.
الأعراض والعلامات:
يعَدّ الألم البطنيّ أشيع أعراض التهاب البنكرياس، وتتضمن بعض أعراض الالتهاب الحاد ما يلي:
- الغثيان والإقياء
- تسرع دقات القلب
- الحمى
- التنفس السريع والسطحي
أما أعراض الالتهاب المزمن فتتضمن:
- عسر الهضم والشعور بألم بعد تناول الطعام
- فقدان الشهية للطعام وخسارة الوزن العفوية
- براز دهني يترك غشاءً زيتيًّا في المرحاض
- الدوخة التي سببها انخفاض ضغط الدّم
الأسباب وعوامل الخطورة:
تعد حصيات المرارة وشرب الكحول بكميات كبيرة أشيع أسباب التهاب البنكرياس على الإطلاق، إذ يشكلان معًا ما يقارب 80% من أسباب هذا المرض.
التهاب البنكرياس حصوي المنشأ:
تفرز الصفراء من المرارة إلى الأمعاء عبر القناة الصفراويّة المشتركة وفي نفس فتحة القناة البنكرياسية. فإذا دخلت حصية مرارية إلى القناة الصفراويّة المشتركة وعلقت عند نقطة الاتصال هذه فإن ذلك قد يمنع مؤقتًا إفراز عصارة البنكرياس من القناة البنكرياسية. وهذا سيراكم الأنزيمات داخل البنكرياس ويعيقها من الخروج، ومع استمرار هذا التراكم والضغط خلف الانسداد فإن هذه الأنزيمات سوف تنشط وتبدأ بهضم البنكرياس نفسه؛ ما يفعّل استجابة جهاز المناعة بآلية الالتهاب.
تناول الكحول:
يعد الإفراط في تناول الكحول أحد أشيع الأسباب وأوضحها للالتهاب في البنكرياس. وعلى الرغم من عدم وضوح السبب، ولكن يعتقد أنّ النواتج الثانوية السامة للكحول في الدم تسبب استجابة التهابيّة في البنكرياس أو ربما تساهمُ بتنشيطِ الأنزيمات الهاضمة داخله. وقد قدّرَ أنّ حوالي نصف حالات الالتهاب الحاد والمزمن سببها تعاطي الكحول بكميات كبيرة.
الأسباب الأخرى:
تتضمن الأسباب الأقلّ شيوعًا ما يلي:
- العدوى مثل الفيروسات
- التهاب البنكرياس المناعيّ الذاتيّ
- السبب الوراثيّ (الطفرات الجينيّة الموروثة)
- مضاعفات التليّف الكيسيّ
- ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم
- ارتفاع مستويات الشحوم الثلاثيّة في الدم
- نقص التروية أو انخفاض الإمداد الدموي
- بعض الأدوية التي تسبب تهيجًا في البنكرياس
- أذيّة مؤلمة للبنكرياس
- السّرطان
هذه الأسباب جميعها تشكل ما يقارب 20% من الحالات؛ وهناك بعض الحالات تبقى مجهولة السبب.
التشخيص:
في الالتهاب الحاد يجب أن يكون البطن مؤلمًا بالجس أثناء الفحص السريري. ويجب التحقق من ضغط الدم المنخفض، والحمى منخفضة الحرارة، إضافةً إلى النبض السريع.
لوضع التشخيص وتأكيده يجب تحليل عيارات أنزيمي الأميلاز والليباز في الدم. وذلك لأن ارتفاع عيارات هذين الأنزيمين تعني احتمالية الإصابة بالالتهاب الحاد، إضافةً إلى فحص الدم للتحري عن الكريات البيضاء وفحص سكر الدم والكالسيوم والوظيفة الكبدية.
أما من أجل تشخيص التهاب البنكرياس المزمن فيكون عبر الأشعة السينية أو الإجراءات التصويريّة الأخرى. مثل التصوير المقطعية المحوسب أو الرنين المغناطيسي التي قد تظهر ما إذا كان البنكرياس متكلسًا أم لا. كما يمكن أخذ عينات دموية للتحقق منها أو فحص البراز للبحث عن دسم إضافية فيه، والتي قد تكون علامةً على ضعف إنتاج البنكرياس للأنزيمات اللازمة لمعالجة الدهون.
يمكن أن تشمل الفحوص الأخرى:
- الأمواج فوق الصوتيّة والتصوير المقطعي المحوسب والرنين المغناطيسي التي تبيّن امتداد الالتهاب وبعض أسبابه كالحصيات ومشاكل القناة الصفراوية، والمضاعفات كالأكياس.
- تنظير البنكرياس والقنوات الصفراويّة بالطريق الراجع “ERCP” وفيه يتم الدخول إلى القنوات البنكرياسية والصفراوية عبر أنبوب مزود بكاميرا لفحصها.
- الخزعة وتتم بإدخال إبرة لإزالة قطعة نسيجية صغيرة من البنكرياس لفحصها.
علاج التهاب البنكرياس :
يعتمد العلاج بشكل رئيسي على السبب هل الالتهاب حاد أم مزمن ومدى خطورته.
يتضمن علاج التهاب البنكرياس الحاد ما يلي:
- السوائل الوريدية لأن الإماهة ضرورية للتعافي. فقد لاحظنا أن التجفاف من أسباب المرض.
- التغذية عبر الأنبوب الأنفي أو الفموي إذا كان المريض غير قادر على تناول الطعام عبر الفم.
- تسكين الألم: بتناول الأدوية المسكنة إما فمويًّا أو مباشرةً بالطريق الوريدي.
- التغذية الوريدية: وذلك في الحالات الشديدة جدًا.
- إزالة حصيات المرارة في الالتهاب حصوي المنشأ. وربما يتم اللجوء إلى عملية استئصال المرارة لمنع الحصيات كسبب للمشاكل في المستقبل.
أما علاج التهاب البنكرياس المزمن فيشمل ما يلي:
يبدأ العلاج بالسيطرة على الألم وتغيير نمط الحياة لإبطاء سير المرض. وقد يحتاج المريض إلى المكملات الأنزيمية والأنسولين لأن البنكرياس لم يعد قادرًا على إنتاجها.
- تغيير نمط الحياة: مثل الإقلاع عن التدخين، والتوقف عن شرب الكحول، واتباع حمية غذائية منخفضة الدسم. والإكثار من الخضار والفواكه وشرب كميات وفيرة من المياه.
- تسكين الألم: ليس من السهل السيطرة على الألم فقد يتوجب على المريض تجربة عدة أصنافٍ دوائية لإيجاد المناسب منها. ويجب عليه أن يبقى على اتصال بمقدم الرعاية الصحية الذي سيوجهه إلى كيفية التعامل الصحيح مع الألم وإحالته إلى أخصائيي تدبير الألم المزمن في الحالات غير المسيطر عليها. وقد تعمل الجراحة التنظيرية أو حقن مخدرات موضعية في أعصاب البنكرياس على تحسين الأعراض.
- المكملات الغذائية: كتناول الأنزيمات البنكرياسية والتي أصبح البنكرياس عاجزًا عن إنتاجها. والفيتامينات والمعادن والعديد من العناصر الضرورية للحصول على ما يكفي من السعرات الحرارية. إضافةً إلى إصابة بعض المرضى بمرض السكري كما يجعلهم معتمدين على الأنسولين.
- الجراحة: إذا كان الألم شديدًا غير مسيطرٍ عليه ومتوضعًا في جزء محدّد من البنكرياس فقد يتم اللجوء إلى استئصال ذلك الجزء. أما في الحالات المتقدمة جدًّا من المرض والميؤوس منها فقد يستأصل البنكرياس كاملًا.
وكما يقال الوقايةُ خيرٌ من قنطارِ علاج؛ فيمكن أن نقلل من مخاطر حدوث التهاب البنكرياس عن طريق الإقلاع عن التدخين والاعتدال في شرب الكحول وتقليل خطر الإصابة بحصيات المرارة والحفاظ على نسبة الكولسترول منخفضة في الدم.
اقرأ أيضًا:
آلام الجهاز الهضمي : الأسباب وكيفية العلاج
أسباب القولون العصبي وطرق علاجه وعلاقته مع أمراض أخرى
إعداد:
د. مريم غرة