لم تفهم الأم بالضبط ماذا حل بطفلها الرضيع ذي الثلاثة أشهر. لقد توقف عن الرضاعة ومال للنوم طوال الوقت، كما أصبح تنفسه سريعاً.
ركض الأبوان بطفلهما إلى المشفى حيث أظهرت التحاليل أن الطفل يعاني من حمّاض استقلابي. تساءلت الأم ماذا يعني حمّاض، فقيل لها أن الدم له درجة pH معينة وعندما تنخفض تزداد حموضته. تم تعديل حموضة الدم فتحسنت حالة الولد ، وفي هذه الأثناء أرسل المشفى بعض العينات الى مخبر للتحليل. جاءت نتيجة التحليل لتظهر وجود الأستون ووجود مركب آخر اسمه إيثيلين غليكول يستخدم كمضاد تجمد في السيارات.
كيف وصل مضاد التجمد إلى متناول الطفل الرضيع الذي لا يستطيع الجلوس بعد؟ لم يستطع الأبوان تقديم تفسير منطقي فاتصل المشفى بالخدمات الاجتماعية التي سحبت الولد من أهله ووضعته عند عائلة راعية بديلة خوفاً من أن يكون أبواه قد تقصدا إيذاءه .
بعد شهرين ركضت العائلة الراعية بالطفل الى المشفى وهو يعاني أيضاً من حالة الحمّاض ومن إقياء متواصل وتشنجات في العضلات. أظهر التحليل الذي أرسل إلى مختبرين مختلفين وجود مضاد التجمد نفسه في جسمه، مما دفع بالمشفى لعلاجه بترياق خاص ، ولكن حالة الطفل ساءت إلى أن توفي بعد ثلاثة أيام.
وُجد مانع التجمد أيضاً في رضّاعة حليب أحضرتها الأم البيولوجية لطفلها عند زيارته عند الأسرة الراعية له. كان ذلك الدليل الذي زج بالأم وراء القضبان بتهمة قتل ابنها الرضيع.
هل هناك أم تقتل طفلها؟ قال المدعي العام إن هذه حالة عقلية معروفة اسمها Munchausen Syndrome by Proxy، وهي تعني ايذاء شخص ضعيف تحت رعاية الشخص المتهم بإيذاءه، سواء كان طفل رضيع أو شيخ كبير.
أودعت الأم السجن في انتظار المحاكمة. في تلك الفترة أنجبت ابنها الثاني في السجن ، والذي وُضع أيضاً عند عائلة راعية له . بعد أسبوعين فقط من ولادته هرعت العائلة بالطفل الثاني إلى مشفى آخر (ليس نفس المشفى الأول) وهو يعاني أيضاً من انخفاض الوعي ومن حالة الحمّاض التي رافقت شقيقه المتوفي. هذه المرة لم يكن بالاستطاعة اتهام الأم وهي في السجن، ثم أظهرت التحاليل في مخبر آخر نتائج مختلفة تماماً.
ظهر مركب اسمه حمض البربيونيك propionic acid في عينات الدم، دالاً على أن الطفل يعاني من مرض استقلابي جيني اسمه methyl-malonic acidemia أو حمّاض الميتيل مالونيك، حيث يفشل الجسم بسبب خلل وراثي في التعامل مع بعض البروتينات والدسم.
كان السبب في هذا الخلط استخدام وسيلة تحليل غير متطورة في المخبر الأول والذي خلط بين المركبين وزاد الأمر سوءاً إعطاء الطفل محاليل وريدية خلال إقامته في المشفى سببت ظهور مادة ثالثة اسمها بروبلين غليكول لها نفس خصائص المادتين السابقتين مما صعّب التمييز بينهما.
عند إعادة تحليل عينات الطفل المتوفي بالتقنية الأحدث التي استخدمها المخبر الثاني، اتضح أن الطفل المتوفي كان يعاني أيضاً من نفس المرض الاستقلابي ، وقد اتبع المشفى طريقة خاطئة في معالجته.
وكأن الطفل الثاني قد وُلد لهدف واحد هو إثبات براءة أمه، حيث أخرجها من السجن الذي وضعت فيه ظلماً، ونبّه الطاقم الطبي الى احتمالية حدوث نتائج إيجابية كاذبة عند استخدام طرق معينة، وإلى ضرورة الانتقال إلى الطرق الأحدث التي تورد دون أي شك أي مادة موجودة في العينة التي يتم تحليلها.
انتشرت الحادثة في عام 1992
د. سمر الزير
اقرأ أيضا: هل قصص النظر وراثي أم لا؟