ينحدر معظم من تعصف بهم أزمة منتصف العمر من أسر تتصف بالشقاق بين الوالدين ،او وجود طلاق بينهما ،او أن أحدهم متسرعا و غير قادر على تحمل مسؤولياته . و أكدت الدراسات أن الذين لديهم خبرات و قضايا عالقة منذ الطفولة و لم يتم التعامل معها او علاجها، فإنها في منتصف العمر تطفو على السطح من جديد و تصيب الشخص بحالة من عدم الاستقرار النفسي و شعور بالاجهاد. ما يدفعه لمحاولة الهروب منها بوسائل تكيف جديدة . كما تكثر عند أولئك الذين لم يعيشوا الطفولة و المراهقة كما يجب ، و أفنوا حياتهم بالدرس و العمل. فيقفوا في منتصف العمر يفكروا انه الوقت ليعيشوا ما فاتهم كما يرغبون .
هناك حالة نفسية شائعة في بلادنا و قلة من ينتبه لها و هي (تناذر فراغ البيت او تناذر العش الفارغ). و هي تأتي مشاركة لأزمة منتصف العمر و لكن لا علاقة سببية بينهما. تحدث عادة عند النساء اللواتي كرّسن عمرهن لرعاية اطفالهن فقط. فعندما يغادر الابن او الابنة الاصغرالمنزل لزواج او لعمل، تسوء الحالة النفسية للأم خاصة ان كانت علاقتها مع الزوج سيئة و كان الاولاد يشكلون الرابط الأساسي بينهما .
التعامل مع أزمة منتصف العمر
يخفق الكثير من الرجال والنساء في التعامل مع أزمة منتصف العمر لدى الشريك، فيبدأ كل منهما بانتقاد الآخر ولومه والتشكيك فيه، ما يُفاقم الخلافات بين الزوجين ويزيد الفجوة بينهما. وإذا كانت الوقاية أسلم وأفضل من العلاج، فلا بد من الحرص على بناء أفراد أسوياء نفسياً ومشبعين عاطفيا منذ طفولتهم مروراَ بالمراهقة والشباب وحتى بلوغ الحياة الزوجية والتي تعتبر الفترة الأطول والأكثر صعوبة في حياة الإنسان، نظراً لظروف التواصل والاحتكاك اليومي للإنسان بالشريك والأبناء. فالأشخاص الذين يحصلون على الحب والاهتمام والعلاقات الزواجية المُرضية، تتدنى بشدة احتمالية مواجهتهم لأي صعوبات في منتصف العمر.
وهي تتطلب ذكاءً شديداً وتسامحاً مع الشريك، فما يمر فيه حدث طبيعي لا إرادي، ومن الأفلام التي عالجت هذا الموضوع بذكاء الفيلم الأمريكي “shall we dance” والمأخوذ عن فيلم ياباني يحمل الاسم نفسه. حيث يرغب الزوج المحامي الجاد والملتزم بإجراء تغيير لحالة الروتين اليومي لسنوات طويلة. فينضمّ إلى دروس لتعلم الرقص، ويتعرف على فتاة لاتينية ينجذب إلى الرقص بسببها. وحين تشك زوجته بأمر اهتمامه بالرقص، توظّف عميلاً خاصاً لمراقبته، يخبرها عن تدريبه على الرقص برفقة السيدة اللاتينية. فما يكون من الزوجة الذكية المنكبّة على دراسة التاريخ، إلا أن تتحدث إليه وتنضم لدروس الرقص وتسعد بها . ويبدآن بالرقص في كل مكان في المنزل كما كانا يفعلان أيام خطوبتهما وبداية زواجهما.
إن استخدام الرقص ليس سوى رمز لبعض التغييرات التي قد يحتاج المرء لإجرائها في حياته. وهي حاجة طبيعية ملّحة، فالروتين والملل الذي يتسرب إلى حياة الإنسان لا بد من كسره حتى تستمر الحياة بشكل صحي. وإلا فإن الملل سيقضي على حياة الإنسان.
( قد تكون الرياضة بديلاً عن الرقص مثلاً !!).
كيف يجب أن يتعامل الزوجان في هذه الأزمة؟
إنّ الزوجة الذكية هي التي تحتضن زوجها وتسأله بحبّ وتسامح عن رغباته واحتياجاته، حين تراه قد تبدل سلوكه و اهتمامه أصبح خارج المنزل . والزوج الذكي هو الذي يحتضن زوجته ويطري على جمالها وأناقتها، حين يراها قد انشغلت بنشر صورها بشكل أشبه بالمراهقات في مواقع التواصل الاجتماعي، أو تتبادل عبارات وحكايات تتحدث فيها عن نفسها وإنجازاتها البسيطة بشكل مبالغ فيه.
إنّ الحلّ البسيط للتعامل مع أزمة منتصف العمر هو تفهم المرحلة النفسية والهرمونية الطبيعية التي يمر بها الشريك. وأنها عَرض ينبغي أن يمر بسلام مثل أي مرحلة في حياة الإنسان منذ طفولته وحتى وفاته. كما ان الاكتئاب يشيع في هذه المرحلة. لذا قد تتطلب الحالة مراجعة مختص خاصة اذا وجد الطرفين ان طريق التفاهم غير ممكن .
مقال طويل لكن هناك الكثير لم يذكر كون هذه المرحلة من العمر ما تزال مثار جدل و نقاش .
دمتم بخير
د. باسم يوسف
اقرأ أيضًا: مخاطر القلق و التوتر قبل الامتحانات على الأمهات و الطلاب